فهم السؤال نصف الاجابه
صفحة 1 من اصل 1
فهم السؤال نصف الاجابه
كان رئيس وزراء إحدى الدول العربية يتحدّث في مؤتمر صحفي في إحدى الدول الصناعية الكبرى، عندما سأله أحد الإعلاميين بالإنجليزية قائلا: إن دولة الإمارات العربية المتحدة أجرت تعديلات اقتصادية جعلتها لا تعتمد على مورد واحد للدخل، بل أدخلت السياحة (Tourism) كعنصر آخر للدخل، فما خططكم في هذا المجال؟
رئيس الوزراء ظنّ السائل يتحدث عن الإرهاب (Terrorism) وليس السياحة (Tourism) فقال ما معناه: "نحن والدولة التي ذكرتها نطبّق القانون الدولي فيما يتعلّق بالإرهاب"، وراح يتابع إجابته بإسهاب حول موضوع الإرهاب، لكن عرّيف المؤتمر انتبه إلى أن رئيس الوزراء لم يسمع السؤال بشكل صحيح، فهمس في أذنه ليخبره، على ما يبدو، أن السائل لا يتحدّث عن موضوع الساعة حينها وهو الإرهاب، بل عن خطط السياحة في بلدكم!
هذا الخطأ في الفهم وارد الوقوع، ولا يسلم منه حتى كاتب هذه السطور، ولذا فإن الشخص لديه دائما فرصة التأكد مما سمع أو فهم قبل شروعه بالإجابة، بدلا من الوقوع في مواقف محرجة. كم مرة ارتكبت خطأ فادحا لأنك لم تفهم مراد السائل؟ بعضنا يتسرع بالإجابة أو الشروع بالرد قبل أن "يفهم" ما المطلوب منه تحديدا، وتقع على مدار الساعة ملايين الأخطاء بالعالم؛ بسبب عدم تفريق الناس بين ثلاث مراحل رئيسية في التواصل مع الآخرين؛ وهي: الإنصات، فالفهم، ثم الرد.
فمن دون "إنصات جيد" يصعب علينا "فهم" ما نسمع، ولذا يكون "ردنا" غير موفّق، ولتفادي هذا يتعين علينا أن نفهم ماذا يقصد المتحدّث أولا، وذلك بطرح أسئلة توضيحية، وهذا الأمر لم يفعله رئيس الوزراء العربي، الذي بثّت مقاطع من مؤتمره الصحفي على موقع يوتيوب.
ولا أنسى الموقف الذي لا يُحسد عليه زميل الدراسة بقسم إدارة الإعمال بالجامعة، حينما سلّم ورقة الاختبار النهائي لأستاذه قبل دقيقتين من انتهاء الوقت، ليفاجأ بأنه لم يفهم المطلوب من سؤالين مقاليين من أصل عشرة أسئلة مقالية (كتابية) فكانت إجابته خاطئة بالكامل، حسب ما أخبره أستاذ المقرر، وحصل على درجة نهائية متدنية جدا في المادة.
ما أسوأ أن يرتكب الموظفون أخطاء كثيرة في العمل قبل التأكد من فهمهم؛ إذ إن هذه الأخطاء مكلّفة، وتعطي انطباعا سلبيا عنك لدى مسئولك المباشر وزملائك، ولتفادي ذلك فإن بعض شركات الطيران أو الفنادق قبل إصدار التذكرة باللغة الإنجليزية تتأكد من لفظ اسمك بصورة صحيحة، فيقول الموظف مثلا: اسمك "بدر" من Bravo؟ أو "فارس" من Father؟ وهكذا، ولديهم قائمة طويلة بالحروف الأولى تسمى Phonic Alphabet ليتفادوا من خلالها الوقوع في مشكلات عدم الفهم. والتأكد من الفهم يحدث أيضا مع النادل في المطعم، عندما يعيد علينا قراءة قائمة ما طلبناه قبل أن يُصدر أمره للطهاة، وكم يوفّر هؤلاء أموالا طائلة وجهودا تذهب سدى عندما يحاولون فهم ما سمعوه قبل التسرّع بالرد، ولذا حينما تسمع موظفا يكرّر على أسماعك السؤال ذاته فلا تضق ذرعا؛ لأنه مؤشر إيجابي، فمحدّثك يحاول أن يكون دقيقا في فهمه، وهو أمر لا يستدعي الضجر أو توبيخ صاحبه.
مشكلة القفز إلى المرحلة الثالثة في التواصل وهي "الردّ" قبل التأكد من "الفهم"، تعدّ من أكثر المشكلات شيوعا، وكثيرا ما تؤدي إلى خلافات بين الأزواج والموظفين والأقارب، وربما الدول، إذ يتسرّع البعض بالإجابة قبل فهم السؤال، أو يسيء الظن بمراد المتحدّث، فيشنّ عليه هجوما لفظيا لاذعا، ليفاجأ بأن مقصد المتكلم كان نبيلا، ولذا قيل إن "فهم السؤال نصف الإجابة"!
نُشِر بجريدة الشرق الأوسط
بتاريخ 4/ 11/ 2010
رئيس الوزراء ظنّ السائل يتحدث عن الإرهاب (Terrorism) وليس السياحة (Tourism) فقال ما معناه: "نحن والدولة التي ذكرتها نطبّق القانون الدولي فيما يتعلّق بالإرهاب"، وراح يتابع إجابته بإسهاب حول موضوع الإرهاب، لكن عرّيف المؤتمر انتبه إلى أن رئيس الوزراء لم يسمع السؤال بشكل صحيح، فهمس في أذنه ليخبره، على ما يبدو، أن السائل لا يتحدّث عن موضوع الساعة حينها وهو الإرهاب، بل عن خطط السياحة في بلدكم!
هذا الخطأ في الفهم وارد الوقوع، ولا يسلم منه حتى كاتب هذه السطور، ولذا فإن الشخص لديه دائما فرصة التأكد مما سمع أو فهم قبل شروعه بالإجابة، بدلا من الوقوع في مواقف محرجة. كم مرة ارتكبت خطأ فادحا لأنك لم تفهم مراد السائل؟ بعضنا يتسرع بالإجابة أو الشروع بالرد قبل أن "يفهم" ما المطلوب منه تحديدا، وتقع على مدار الساعة ملايين الأخطاء بالعالم؛ بسبب عدم تفريق الناس بين ثلاث مراحل رئيسية في التواصل مع الآخرين؛ وهي: الإنصات، فالفهم، ثم الرد.
فمن دون "إنصات جيد" يصعب علينا "فهم" ما نسمع، ولذا يكون "ردنا" غير موفّق، ولتفادي هذا يتعين علينا أن نفهم ماذا يقصد المتحدّث أولا، وذلك بطرح أسئلة توضيحية، وهذا الأمر لم يفعله رئيس الوزراء العربي، الذي بثّت مقاطع من مؤتمره الصحفي على موقع يوتيوب.
ولا أنسى الموقف الذي لا يُحسد عليه زميل الدراسة بقسم إدارة الإعمال بالجامعة، حينما سلّم ورقة الاختبار النهائي لأستاذه قبل دقيقتين من انتهاء الوقت، ليفاجأ بأنه لم يفهم المطلوب من سؤالين مقاليين من أصل عشرة أسئلة مقالية (كتابية) فكانت إجابته خاطئة بالكامل، حسب ما أخبره أستاذ المقرر، وحصل على درجة نهائية متدنية جدا في المادة.
ما أسوأ أن يرتكب الموظفون أخطاء كثيرة في العمل قبل التأكد من فهمهم؛ إذ إن هذه الأخطاء مكلّفة، وتعطي انطباعا سلبيا عنك لدى مسئولك المباشر وزملائك، ولتفادي ذلك فإن بعض شركات الطيران أو الفنادق قبل إصدار التذكرة باللغة الإنجليزية تتأكد من لفظ اسمك بصورة صحيحة، فيقول الموظف مثلا: اسمك "بدر" من Bravo؟ أو "فارس" من Father؟ وهكذا، ولديهم قائمة طويلة بالحروف الأولى تسمى Phonic Alphabet ليتفادوا من خلالها الوقوع في مشكلات عدم الفهم. والتأكد من الفهم يحدث أيضا مع النادل في المطعم، عندما يعيد علينا قراءة قائمة ما طلبناه قبل أن يُصدر أمره للطهاة، وكم يوفّر هؤلاء أموالا طائلة وجهودا تذهب سدى عندما يحاولون فهم ما سمعوه قبل التسرّع بالرد، ولذا حينما تسمع موظفا يكرّر على أسماعك السؤال ذاته فلا تضق ذرعا؛ لأنه مؤشر إيجابي، فمحدّثك يحاول أن يكون دقيقا في فهمه، وهو أمر لا يستدعي الضجر أو توبيخ صاحبه.
مشكلة القفز إلى المرحلة الثالثة في التواصل وهي "الردّ" قبل التأكد من "الفهم"، تعدّ من أكثر المشكلات شيوعا، وكثيرا ما تؤدي إلى خلافات بين الأزواج والموظفين والأقارب، وربما الدول، إذ يتسرّع البعض بالإجابة قبل فهم السؤال، أو يسيء الظن بمراد المتحدّث، فيشنّ عليه هجوما لفظيا لاذعا، ليفاجأ بأن مقصد المتكلم كان نبيلا، ولذا قيل إن "فهم السؤال نصف الإجابة"!
نُشِر بجريدة الشرق الأوسط
بتاريخ 4/ 11/ 2010
محمودعاطف- عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 03/02/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى