جحا بين الحقيقه والخيال
صفحة 1 من اصل 1
جحا بين الحقيقه والخيال
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
جحا شخصية فكاهية حقيقية.. لكنها سرعان ما انفصلت عن واقعها التاريخي.. وأصبحت رمزًا فنيًا.. ونموذجًا نمطيًا للفكاهة في التراث العربي.
ومن هنا قيل على لسانه آلاف النوادر أو الحكايات المرحة، على مر العصور.
لقد نسي الناس جذوره التاريخية، ولكنهم لم ولن ينسوا أبدًا أسلوبه الضاحك وفلسفته الساخرة.
وعلى الرغم من كثرة أعلام الفكاهة في التراث العربي.. فإن جحا يبقى أشهر شخصية نمطية فكاهية.. لا تزال حيّة فاعلة ـ حتى اليوم ـ في الذاكرة الجمعية العربية الأدبية والفولكلورية والثقافية.. وشهرته الفنيِّة لا تلغي الدور التاريخي الذي يؤكد أن جحا شخصية حقيقية.
فهو أبو الغصن دُجَيْن بن ثابت الفزاري.. ولقبه جحا.. وقد عرف بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين.. وأنه كان بالغ الذكاء، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة.
ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون.. أو بالأحرى التحامق والتباله في مواجهته لصغائر الأمور اليومية استعلاء منه على حياة فانية.. وشعورًا بعبثية الصراع الدنيوي.. وإحساسًا بالجانب المأساوي للوجود الإنساني (الموت) في وقت معًا.
ولذلك لا غرو أن يعمّر جحا.. وأن يعيش مائة سنة.. كما يقول الجاحظ.
وقد شهدت الفترة التاريخية التي عاصرها جحا أحداثًا جسامًا كان لها أبعد الأثر في أسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير.. منها مأساة السقوط الدموي للدولة الأموية.. وهيمنة الدولة العباسية ـ بقوة السيف ـ على مقدرات الأمور العربية الإسلامية، وسط مناخ ثقافي حافل آنذاك بالصراع السياسي والعسكري والمذهبي والعرقي.
وفي مثل هذه الظروف التاريخية الاجتماعية حدث أن استدعى أبو مسلم الخراساني ـ عندما نزل الكوفة ـ جحا لشهرته.. عسى أن يظفر منه بطرفة أو فكاهة في خضم حروبه الدموية، فخشي جحا على نفسه، وادعى الحمق والجنون في حضرته.
وبالرغم من ذلك فقد أعجب به أبو مسلم.. وحدث عنه الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور، الذي بادر فاستدعاه إلى دار الخلافة في بغداد لعله يصلح نديمًا أو مضحكًا (مهرجًا) في بلاطه.
وقد أدرك جحا عاقبة مثل هذا الدور وهامشيته ومخاطره وقيوده.. فما هو بمهرج وما ينبغي له أن يكون كذلك.. فتمادى في ادعائه الحمق والجنون حتى أفرج عنه المنصور بعد أن أجزل له العطاء.
وكان لمثل هذا اللقاء أثره البالغ أيضًا في ازدياد شهرته.. وطلب الناس له في مجالسهم، والإغداق عليه وهم سعداء به وبنوادره.. وبرؤيته الساخرة للحياة والأحياء جميعًا.
وهنا قال جحا قولته الساخرة المشهورة:
"حُمْق يعولني خيرٌ من عقلٍ أعوله".
ومن الطريف الدال على أن جحا استمرأ هذا الأمر ـ التغابي أو التحامق ـ ما دام يعفيه من تبعات الناس.. ويتيح له قدرًا كبيرًا من الشجاعة في قول الحق، وحكمة الرأي.. وأن يكون صريحًا في التعبير عن نفسه.
أنه دائمًا يستسلم لرغباته في لحظاته، وإنْ اتهمه الناس بالحمق والجنون ـ فليس ثمة عندئذ من حرج ـ مما يجعله بريئًا من الخوف أو الكبت وقادرًا على قول "المسكوت عنه" دائمًا.. اجتماعيًا وأخلاقيًا وسياسيًا وإنسانيًا.
وشرع اسمه يتردد في أدبيات القرنين الثاني والثالث للهجرة.. مقرونًا ببعض النوادر.
كما ذكر الجاحظ.. ولكن ما نكاد نصل إلى القرن الرابع الهجري حتى تكون نوادره المتواترة شفهيًا قد عرفت طريقها إلى التدوين في أسواق الوراقين باسم كتاب نوادر جحا الذي كان من الكتب المرغوب فيها على حد تعبير ابن النديم في الفهرست.
ومن أقدم التراجم التاريخية التي وصلت إلينا عن جحا.. تلك الترجمة الضافية التي ذكرها الآبي (المتوفي سنة 421هـ، 1030م) في موسوعته نثر الدرر.. ثم توالت التراجم له في كثير من المصادر الأدبية والتاريخية اللاحقة.
وعلى الرغم من أنها أجمعت على الوجود التاريخي لهذه الشخصية، فإنها أنكرت عليه كل ما روي عنه من نوادر بلغت من الكثرة حدًا يستحيل ـ زمانًا ومكانًا ـ أن تكون جميعًا متصلة به، بل ذكر الآبي صراحة: "أن له جيرانًا كانوا يضعون عليه هذه النوادر" أي يؤلفونها وينسبونها إليه، بل أضافوا إليه أيضًا ـ كما يقول ـ نوادر غيره من نوادر الحمقى والمغفلين والأذكياء وعقلاء المجانين وأمثالها من النوادر الذائعة في التراث العربي.
وهذا يعني أن الوجدان الشعبي العربي قد انتخب جحا رمزًا لكل ضروب الفكاهة.. خاصة بعد أن تَزيَّدَ الناس عليه، فنسبوا إليه، على مر العصور، آلاف النوادر .. حتى ليقول عباس محمود العقاد في كتابه "جحا الضاحك المضحك" عبارة طريفة ذات دلالة هي:
"أن جحا لو تفرغ في حياته لصناعة النوادر التي نسبت إليه، لمات قبل أن تنفد روايتها أو ينتهي هو من إبداعها".
ومعني هذا أن جحا انفصل عن واقعه التاريخي وتحول إلى رمز فني استقطب معظم ما قيل من نوادر التراث العربي الذائعة.. وما أكثرها!
بل شرع الشعب العربي، على تعدد أقطاره، يؤلف ما يؤلف من نوادر وينسبها إلى جحا على مر العصور.
وهذا من حصافة الشعوب وفطنتها في مواجهة الطغاة والظالمين.. فهي تعبر عن همومها وتنفث الكرب الذي يملأ صدره عن طريق شخصية تاريخية كشخصية جحا.. خوفا من ظلم ظالم أو تجبر غاشم.. أو ربما خوفا من رد فعل المجتمع،إذا كانت الفكرة غير مألوفة فلتلأت على لسان جحا.. وكم يظلم جحا معنا.
فلك الله يا جحا
جحا شخصية فكاهية حقيقية.. لكنها سرعان ما انفصلت عن واقعها التاريخي.. وأصبحت رمزًا فنيًا.. ونموذجًا نمطيًا للفكاهة في التراث العربي.
ومن هنا قيل على لسانه آلاف النوادر أو الحكايات المرحة، على مر العصور.
لقد نسي الناس جذوره التاريخية، ولكنهم لم ولن ينسوا أبدًا أسلوبه الضاحك وفلسفته الساخرة.
وعلى الرغم من كثرة أعلام الفكاهة في التراث العربي.. فإن جحا يبقى أشهر شخصية نمطية فكاهية.. لا تزال حيّة فاعلة ـ حتى اليوم ـ في الذاكرة الجمعية العربية الأدبية والفولكلورية والثقافية.. وشهرته الفنيِّة لا تلغي الدور التاريخي الذي يؤكد أن جحا شخصية حقيقية.
فهو أبو الغصن دُجَيْن بن ثابت الفزاري.. ولقبه جحا.. وقد عرف بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين.. وأنه كان بالغ الذكاء، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة.
ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون.. أو بالأحرى التحامق والتباله في مواجهته لصغائر الأمور اليومية استعلاء منه على حياة فانية.. وشعورًا بعبثية الصراع الدنيوي.. وإحساسًا بالجانب المأساوي للوجود الإنساني (الموت) في وقت معًا.
ولذلك لا غرو أن يعمّر جحا.. وأن يعيش مائة سنة.. كما يقول الجاحظ.
وقد شهدت الفترة التاريخية التي عاصرها جحا أحداثًا جسامًا كان لها أبعد الأثر في أسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير.. منها مأساة السقوط الدموي للدولة الأموية.. وهيمنة الدولة العباسية ـ بقوة السيف ـ على مقدرات الأمور العربية الإسلامية، وسط مناخ ثقافي حافل آنذاك بالصراع السياسي والعسكري والمذهبي والعرقي.
وفي مثل هذه الظروف التاريخية الاجتماعية حدث أن استدعى أبو مسلم الخراساني ـ عندما نزل الكوفة ـ جحا لشهرته.. عسى أن يظفر منه بطرفة أو فكاهة في خضم حروبه الدموية، فخشي جحا على نفسه، وادعى الحمق والجنون في حضرته.
وبالرغم من ذلك فقد أعجب به أبو مسلم.. وحدث عنه الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور، الذي بادر فاستدعاه إلى دار الخلافة في بغداد لعله يصلح نديمًا أو مضحكًا (مهرجًا) في بلاطه.
وقد أدرك جحا عاقبة مثل هذا الدور وهامشيته ومخاطره وقيوده.. فما هو بمهرج وما ينبغي له أن يكون كذلك.. فتمادى في ادعائه الحمق والجنون حتى أفرج عنه المنصور بعد أن أجزل له العطاء.
وكان لمثل هذا اللقاء أثره البالغ أيضًا في ازدياد شهرته.. وطلب الناس له في مجالسهم، والإغداق عليه وهم سعداء به وبنوادره.. وبرؤيته الساخرة للحياة والأحياء جميعًا.
وهنا قال جحا قولته الساخرة المشهورة:
"حُمْق يعولني خيرٌ من عقلٍ أعوله".
ومن الطريف الدال على أن جحا استمرأ هذا الأمر ـ التغابي أو التحامق ـ ما دام يعفيه من تبعات الناس.. ويتيح له قدرًا كبيرًا من الشجاعة في قول الحق، وحكمة الرأي.. وأن يكون صريحًا في التعبير عن نفسه.
أنه دائمًا يستسلم لرغباته في لحظاته، وإنْ اتهمه الناس بالحمق والجنون ـ فليس ثمة عندئذ من حرج ـ مما يجعله بريئًا من الخوف أو الكبت وقادرًا على قول "المسكوت عنه" دائمًا.. اجتماعيًا وأخلاقيًا وسياسيًا وإنسانيًا.
وشرع اسمه يتردد في أدبيات القرنين الثاني والثالث للهجرة.. مقرونًا ببعض النوادر.
كما ذكر الجاحظ.. ولكن ما نكاد نصل إلى القرن الرابع الهجري حتى تكون نوادره المتواترة شفهيًا قد عرفت طريقها إلى التدوين في أسواق الوراقين باسم كتاب نوادر جحا الذي كان من الكتب المرغوب فيها على حد تعبير ابن النديم في الفهرست.
ومن أقدم التراجم التاريخية التي وصلت إلينا عن جحا.. تلك الترجمة الضافية التي ذكرها الآبي (المتوفي سنة 421هـ، 1030م) في موسوعته نثر الدرر.. ثم توالت التراجم له في كثير من المصادر الأدبية والتاريخية اللاحقة.
وعلى الرغم من أنها أجمعت على الوجود التاريخي لهذه الشخصية، فإنها أنكرت عليه كل ما روي عنه من نوادر بلغت من الكثرة حدًا يستحيل ـ زمانًا ومكانًا ـ أن تكون جميعًا متصلة به، بل ذكر الآبي صراحة: "أن له جيرانًا كانوا يضعون عليه هذه النوادر" أي يؤلفونها وينسبونها إليه، بل أضافوا إليه أيضًا ـ كما يقول ـ نوادر غيره من نوادر الحمقى والمغفلين والأذكياء وعقلاء المجانين وأمثالها من النوادر الذائعة في التراث العربي.
وهذا يعني أن الوجدان الشعبي العربي قد انتخب جحا رمزًا لكل ضروب الفكاهة.. خاصة بعد أن تَزيَّدَ الناس عليه، فنسبوا إليه، على مر العصور، آلاف النوادر .. حتى ليقول عباس محمود العقاد في كتابه "جحا الضاحك المضحك" عبارة طريفة ذات دلالة هي:
"أن جحا لو تفرغ في حياته لصناعة النوادر التي نسبت إليه، لمات قبل أن تنفد روايتها أو ينتهي هو من إبداعها".
ومعني هذا أن جحا انفصل عن واقعه التاريخي وتحول إلى رمز فني استقطب معظم ما قيل من نوادر التراث العربي الذائعة.. وما أكثرها!
بل شرع الشعب العربي، على تعدد أقطاره، يؤلف ما يؤلف من نوادر وينسبها إلى جحا على مر العصور.
وهذا من حصافة الشعوب وفطنتها في مواجهة الطغاة والظالمين.. فهي تعبر عن همومها وتنفث الكرب الذي يملأ صدره عن طريق شخصية تاريخية كشخصية جحا.. خوفا من ظلم ظالم أو تجبر غاشم.. أو ربما خوفا من رد فعل المجتمع،إذا كانت الفكرة غير مألوفة فلتلأت على لسان جحا.. وكم يظلم جحا معنا.
فلك الله يا جحا
محمودعاطف- عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 03/02/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى